فصل: من فوائد الزمخشري في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{واعف عَنَّا} أي امح آثار ذنوبنا بترك العقوبة. {واغفر لَنَا} بستر القبيح وإظهار الجميل {وارحمنا} وتعطف علينا بما يوجب المزيد، وقيل: {أَذْهَبَ عَنَّا} من الأفعال {واغفر لَنَا} من الأقوال {وارحمنا} بثقل الميزان، وقيل: {واعف عَنَّا} في سكرات الموت {واغفر لَنَا} في ظلمة القبور {وارحمنا} في أهوال يوم النشور، قال أبو حيان: ولم يأت في هذه الجمل الثلاث بلفظ ربنا لأنها نتائج ما تقدم من الجمل التي افتتحت بذلك فجاء فاعف عنا مقابلًا لقوله تعالى: {لاَ تُؤَاخِذْنَا} {واغفر لَنَا} لقوله سبحانه: {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} {وارحمنا} لقوله عز شأنه: {وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} لأن من آثار عدم المؤاخذة بالنسيان والخطأ العفو، ومن آثار عدم حمل الإصر عليهم المغفرة، ومن آثار عدم تحميل ما لا يطاق الرحمة ولا يخفى حسن الترتيب {أَنتَ مولانا} أي مالكنا وسيدنا، وجوز أن يكون بمعنى متولي الأمر وأصله مصدر أريد به الفاعل وإذا ذكر المولى والسيد وجب في الاستعمال تقديم المولى فيقال: مولانا وسيدنا كما في قول الخنساء:
وإن صخرًا لمولانا وسيدنا ** وإن صخرًا إذا اشتوا لمنحار

وخطئوا من قال: سيدنا ومولانا بتقديم السيد على المولى كما قاله ابن أيبك ولي فيه تردد قيل: والجملة على معنى القول أي قولوا أنت مولانا {فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} أي الأعداء في الدين المحاربين لنا أو مطلق الكفرة وأتى بالفاء إيذانًا بالسببية لأن الله تعالى لما كان مولاهم ومالكهم ومدبر أمورهم تسبب عنه أن دعوه بأن ينصرهم على أعدائهم فهو كقولك أنت الجواد فتكرم عليّ وأنت البطل فاحْمِ الجار. اهـ.

.قال ابن كثير:

وقوله: {وَاعْفُ عَنَّا} أي: فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا، {وَاغْفِرْ لَنَا} أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة، {وَارْحَمْنَا} أي: فيما يُسْتَقبل، فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر، ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم، وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {أنت مولانا} فصله لأنّه كالعلّة للدعوات الماضية: أي دعوناك ورجونا منك ذلك لأنّك مولانا، ومن شأن المولى الرفقُ بالمملوك، وليكون هذا أيضًا كالمقدمة للدعوة الآتية.
وقوله: {فانصرنا على القوم الكافرين} جيء فيه بالفاء للتفريع عن كونه مولى، لأنّ شأن المولى أن ينصر مولاه، ومن هنا يظهر موقع التعجيب والتحسير في قول مرة بن عداء الفقعسي:
رأيتُ مَوَالِيّ الألَى يخذلونني ** على حدثَانِ الدّهْرِ إذْ يَتَقلّب

وفي التفريع بالفاء إيذان بتأكيد طلب إجابة الدعاء بالنصر، لأنّهم جعلوه مرتّبًا على وصف محقّق، وهو ولاية الله تعالى المؤمنين، قال تعالى: {اللَّه ولي الذين آمنوا} [البقرة: 257] وفي حديث يوم أحد لَمَّا قال أبو سفيان: لَنا العُزّى ولا عُزَّى لكم قال النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوه «الله مولانا ولا مولَى لكم».
ووجه الاهتمام بهذه الدعوة أنّها جامعة لخيري الدنيا والآخرة؛ لأنّهم إذا نصروا على العدوّ، فقد طاب عيشهم وظهر دينهم، وسلموا من الفتنة، ودخل الناس فيه أفواجًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} الوسع: الطاقة.
قاله ابن عباس، وقتادة.
ومعناه: لا يكلفها ما لا قدرة لها عليه لاستحالته، كتكليف الزمن السعي، والأعمى النظر.
فأما تكليف ما يستحيل من المكلف، لا لفقد الآلات، فيجوز كتكليف الكافر الذي سبق في العلم القديم أنه لا يؤمن الإيمان، فالآية محمولة على القول الأول.
ومن الدليل على ما قلناه قوله تعالى في سياق الآية: {ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به} فلو كان تكليف ما لا يطاق ممتنعًا، كان السؤال عبثًا، وقد أمر الله تعالى نبيه بدعاء قوم قال فيهم: {وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذًا أبدًا} [الكهف: 57] وقال ابن الأنباري: المعنى: لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم، وتحمل مكروه، فخاطب العرب على حسب ما تعقل، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أطيق النظر إليك، وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه، ومثله قوله تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع}.
قوله تعالى: {لها ما كسبت} قال ابن عباس: لها ما كسبت من طاعة {وعليها ما اكتسبت} من معصية.
قال أبو بكر النقاش: فقوله: لها دليل على الخير، وعليها دليل على الشر.
وقد ذهب قوم إلى أن كسبت لمرة ومرات، واكتسبت لا يكون إلا لشيء بعد شيء، وهما عند آخرين لغتان بمعنى واحد، كقوله عز وجل: {فمهل الكافرين أمهلهم رويدا} [الطارق: 17].
قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا} هذا تعليم من الله للخلق أن يقولوا ذلك، قال ابن الأنباري: والمراد بالنسيان هاهنا: الترك مع العمد، لأن النسيان الذي هو بمعنى الغفلة قد أمنت الآثام من جهته.
والخطأ أيضًا هاهنا من جهة العمد، لا من جهة السهو، يقال: أخطأ الرجل: إذا تعمد، كما يقال: أخطأ إذا غفل.
وفي الإصر قولان.
أحدهما: أنه العهد، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والسدي.
والثاني: الثقل أي: لا تثقل علينا من الفروض ما ثقلته على بني اسرائيل، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} فيه خمسة أقوال.
أحدهما: أنه ما يصعُب ويشق من الأعمال، قاله الضحاك، والسدي، وابن زيد، والجمهور.
والثاني: أنه المحبة، رواه الثوري عن منصور عن إبراهيم.
والثالث: الغلمة قاله مكحول.
والرابع: حديث النفس ووساوسها.
والخامس: عذاب النار.
قوله تعالى: {أنت مولانا} أي: أنت ولينا {فانصرنا} أي: أعنا.
وكان معاذ إذا فرغ من هذه السورة قال: آمين. اهـ.

.قال السعدي:

لما نزل قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} شق ذلك على المسلمين لما توهموا أن ما يقع في القلب من الأمور اللازمة والعارضة المستقرة وغيرها مؤاخذون به، فأخبرهم بهذه الآية أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها أي: أمرا تسعه طاقتها، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم، ثم أخبر تعالى أن لكل نفس ما كسبت من الخير، وعليها ما اكتسبت من الشر، فلا تزر وازرة وزر أخرى ولا تذهب حسنات العبد لغيره، وفي الإتيان بكسب في الخير الدال على أن عمل الخير يحصل للإنسان بأدنى سعي منه بل بمجرد نية القلب وأتى باكتسب في عمل الشر للدلالة على أن عمل الشر لا يكتب على الإنسان حتى يعمله ويحصل سعيه، ولما أخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه وأن كل عامل سيجازى بعمله، وكان الإنسان عرضة للتقصير والخطأ والنسيان، وأخبر أنه لا يكلفنا إلا ما نطيق وتسعه قوتنا، أخبر عن دعاء المؤمنين بذلك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: قد فعلت. إجابة لهذا الدعاء، فقال: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} والفرق بينهما: أن النسيان: ذهول القلب عن ما أمر به فيتركه نسيانا، والخطأ: أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله: فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا، فعلى هذا من صلى في ثوب مغصوب، أو نجس، أو قد نسي نجاسة على بدنه، أو تكلم في الصلاة ناسيا، أو فعل مفطرا ناسيا، أو فعل محظورا من محظورات الإحرام التي ليس فيها إتلاف ناسيا، فإنه معفو عنه، وكذلك لا يحنث من فعل المحلوف عليه ناسيا، وكذلك لو أخطأ فأتلف نفسا أو مالا فليس عليه إثم، وإنما الضمان مرتب على مجرد الإتلاف، وكذلك المواضع التي تجب فيها التسمية إذا تركها الإنسان ناسيا لم يضر. {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} أي: تكاليف مشقة {كما حملته على الذين من قبلنا} وقد فعل تعالى فإن الله خفف عن هذه الأمة في الأوامر من الطهارات وأحوال العبادات ما لم يخففه على غيرها {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} وقد فعل وله الحمد {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} فالعفو والمغفرة يحصل بهما دفع المكاره والشرور، والرحمة يحصل بها صلاح الأمور {أنت مولانا} أي: ربنا ومليكنا وإلهنا الذي لم تزل ولايتك إيانا منذ أوجدتنا وأنشأتنا فنعمك دارة علينا متصلة عدد الأوقات، ثم أنعمت علينا بالنعمة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهي نعمة الإسلام التي جميع النعم تبع لها، فنسألك يا ربنا ومولانا تمام نعمتك بأن تنصرنا على القوم الكافرين، الذين كفروا بك وبرسلك، وقاوموا أهل دينك ونبذوا أمرك، فانصرنا عليهم بالحجة والبيان والسيف والسنان، بأن تمكن لنا في الأرض وتخذلهم وترزقنا الإيمان والأعمال التي يحصل بها النصر، والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيتين:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: آية 285]:

{آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
{وَالْمُؤْمِنُونَ} إن عطف على الرسول كان الضمير- الذي التنوين نائب عنه في كل- راجعًا إلى الرسول والمؤمنين، أي كلهم آمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله من المذكورين. ووقف عليه. وإن كان مبتدأ كان الضمير للمؤمنين. ووحد ضمير كل في آمن على معنى: كل واحد منهم آمن، وكان يجوز أن يجمع، كقوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}. وقرأ ابن عباس: وكتابه، يريد القرآن أو الجنس وعنه: الكتاب أكثر من الكتب. فإن قلت:
كيف يكون الواحد أكثر من الجمع؟ قلت: لأنه إذا أريد بالواحد الجنس- والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها- لم يخرج منه شيء. فأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع {لا نُفَرِّقُ} يقولون لا نفرق. وعن أبى عمرو: يفرق بالياء، على أن الفعل لكل. وقرأ عبد اللَّه: لا يفرقون. و{أَحَدٍ} في معنى الجمع، كقوله تعالى: {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} ولذلك دخل عليه بين. سَمِعْنا أجبنا {غُفْرانَكَ} منصوب بإضمار فعله. يقال: غفرانك لا كفرانك، أي نستغفرك ولا نكفرك. وقرئ: {وكتبه ورسله} بالسكون.